على الرغم من الصراع القائم بين رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، يقدّم الأول، من حيث يدري أو لا يدري، خدمات كبيرة إلى الثاني على مختلف الصعد، في المرحلة الراهنة، حيث سيكون من المؤكّد أن باسيل سيعمل للإستفادة منها على أكثر من صعيد.
في الحياة السياسية يتصارع التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية على كل شاردة وواردة، وربما الصراع الأخير بين من كان أول من فتح الحرب على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة هو خير دليل على ذلك، فالتيار انتشى بتوقيف سلامة واعتبره نصراً ولو جاء متأخراً بعد عامين من نهاية ولاية رئيس الجمهورية السابق ميشال عون، والقوّات تسعى جاهدة لاستعادة موقفها المطالب بتشكيل لجنة تحقيق داخل مصرف لبنان والتي اقترحها جورج عدوان وهاجمها نواب التيار آنذاك.
لذلك، ضمن هذه الحرب، يستغل كل طرف هفوات الآخر، ومؤخراً يبدو أن رئيس التيار الوطني جبران باسيل، الذي يُجري حملة تطهير واسعة داخل التيار، يستفيد من مواقف رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، بما يتعلق بأزمة تياره الداخلية من جهة، وعلى الصعيد الوطني والعلاقات السياسية مع القوى المحلية من جهة أخرى، تقول مصادر سياسية متابعة.
في البداية قد يكون من الضروري التوقف عند الموقف الذي أدلى به جعجع، بالنسبة إلى الأزمة الداخليّة في التيار الوطني الحر، ورأى أنها من مصلحة لبنان، حيث من الممكن التأكيد أن باسيل سيستفيد من هذا الموقف، في إطار التوجه الذي يقوم به إلى قواعد "الوطني الحر"، الأمر الذي قد يمثل أزمة حقيقيّة لدى النواب الخارجين منه، إذ يستطيع باسيل استغلال تصريح جعجع لإظهار ما يجري وكأنّه هجمة قواتية على التيار، وهو ما يشد العصب الجماهيري عادة، وسيكون سيئاً للخارجين منه والذين يسعون بحسب معلومات "النشرة" الى تشكيل ما يشبه التجمّع النيابي، حيث هناك اتصالات بينهم وبين نواب آخرين، منهم من كان في الماضي ضمن تكتل لبنان القوي وخرج منه أيضاً.
بالتزامن، لا يمكن تجاهل موقف جعجع الرافض لمبدأ الحوار، في سبيل الوصول إلى إتفاق حول الإستحقاق الرئاسي، على عكس ما هو عليه موقف باسيل، الأمر الذي يستفيد منه الأخير في إطار نسج علاقات مع مختلف الأفرقاء، بينما رئيس "القوات" يواجه أزمات متعددة، ليس فقط مع خصومه، بل أيضاً مع حلفائه السابقين والحاليين، على رأسهم الحزب التقدمي الإشتراكي ووليد جنبلاط، وبالتالي يظهر التيار كطرف مسيحي قوي قادر على التواصل مع الجميع بينما القوات طرف مسيحي متصلّب لا يرغب لا بالحوار ولا التوافق.
اكتشف التيار الوطني أنه غير قادر على مجاراة القوات اللبنانية بالمواقف المتشدّدة، لذلك فضل باسيل العودة الى نغمة الانفتاح على باقي القوى السياسية، وهو بذلك سيضمن تواجده ضمن التسوية المقبلة، وهو ما بدأت معراب تشعر أنها ستأتي على حسابها، وهو ما ظهر خلال خطاب جعجع الاخير الذي تطرق خلاله للكثير مما يتعلق باليوم التالي للحرب، محاولاً اقناع الجمهور بأن التفاوض الدولي مع لبنان لن يكون مع الطرف الحامل للسلاح أيّ حزب الله، وهو ما لا يعكس بطبيعة الحال حقيقة الأمور.
يمرّ التيار الوطني الحر بفترة صعبة داخلياً، لكنه يستفيد من مواقف القوات اللبنانيّة لتحسين وضعه السياسي المحلّي، فهل يلتحق باسيل بركب التسوية الى جانب الثنائي الشيعي؟!.